سورة الواقعة - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الواقعة)


        


{عَلَى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (15) مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ (16)}
والموضونة هي المنسوجة القوية اللحمة والسدى، ومنه يقال للدرع المنسوجة: موضونة والوضين هو الحبل العريض الذي يكون منه الحزم لقوة سداه ولحمته، والسرر التي تكون للملوك يكون لها قوائم من شيء صلب ويكون مجلسهم عليها معمولاً بحرير وغير ذلك لأنه أنعم من الخشب وما يشبهه في الصلابة وهذه السرر قوائمها من الجواهر النفيسة، وأرضها من الذهب الممدود، وقوله تعالى: {مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا} للتأكيد، والمعنى أنهم كائنون على سرر متكئين عليها متقابلين، ففائدة التأكيد هو أن لا يظن أنهم كائنون على سرر متكئين على غيرها كما يكون حال من يكون على كرسي صغير لا يسعه للاتكاء فيوضع تحته شيء آخر للاتكاء عليه، فلما قال: على سرر متكئين عليها دل هذا على أن استقرارهم واتكاءهم جميعاً على سرر، وقوله تعالى: {متقابلين} فيه وجهان:
أحدهما: أن أحداً لا يستدبر أحداً وثانيهما: أن أحداً من السابقين لا يرى غيره فوقه، وهذا أقرب لأن قوله: {متقابلين} على الوجه الأول يحتاج إلى أن يقال: متقابلين معناه أن كل أحد يقابل أحداً في زمان واحد، ولا يفهم هذا إلا فيما لا يكون فيه اختلاف جهات، وعلى هذا فيكون معنى الكلام أنهم أرواح ليس لهم أدبار وظهور، فيكون المراد من السابقين هم الذين أجسامهم أرواح نورانية جميع جهاتهم وجه كالنور الذي يقابل كل شيء ولا يستدبر أحداً، والوجه الأول أقرب إلى أوصاف المكانيات.


{يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ (17)}
والولدان جمع الوليد، وهو في الأصل فعيل بمعنى مفعول وهو المولود لكن غلب على الصغار مع قطع النظر عن كونهم مولودين، والدليل أنهم قالوا للجارية الصغيرة وليدة، ولو نظروا إلى الأصل لجردوها عن الهاء كالقتيل، إذا ثبت هذا فنقول: في الولدان وجهان:
أحدهما: أنه على الأصل وهم صغار المؤمنين وهو ضعيف، لأن صغار المؤمنين أخبر الله تعالى عنهم أنه يلحقهم بآبائهم، ومن الناس المؤمنين الصالحين من لا ولد له فلا يجوز أن يخدم ولد المؤمن مؤمناً غيره، فيلزم إما أن يكون لهم اختصاص ببعض الصالحين وأن لا يكون لمن لا يكون له ولد من يطوف عليه من الولدان، وإما أن يكون ولد الآخر يخدم غير أبيه وفيه منقصة بالأب، وعلى هذا الوجه قيل: هم صغار الكفار وهو أقرب من الأول إذ ليس فيه ما ذكرنا من المفسدة والثاني: أنه على الاستعمال الذي لم يلحظ فيه الأصل وهو إرادة الصغار مع قطع النظر عن كونهم مولودين وهو حينئذ كقوله تعالى: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ} [الطور: 24] وفي قوله تعالى: {مُّخَلَّدُونَ} وجهان:
أحدهما: أنه من الخلود والدوام، وعلى هذا الوجه يظهر وجهان آخران أحدهما: أنهم مخلدون ولا موت لهم ولا فناء وثانيهما: لا يتغيرون عن حالهم ويبقون صغاراً دائماً لا يكبرون ولا يلتحون والوجه الثاني: أنه من الخلدة وهو القرط بمعنى في آذانهم حلق، والأول أظهر وأليق.


{بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (18)}
أواني الخمر تكون في المجالس، وفي الكوب وجهان:
أحدهما: أنه من جنس الأقداح وهو قدح كبير وثانيهما: من جنس الكيزان ولا عروة له ولا خرطوم والإبريق له عروة وخرطوم، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: ما الفرق بين الأكواب والأباريق والكأس حيث ذكر الأكواب والأباريق بلفظ الجميع والكأس بلفظ الواحد ولم يقل: وكئوس؟ نقول: هو على عادة العرب في الشرب يكون عندهم أوان كثيرة فيها الخمر معدة موضوعة عندهم، وأما الكأس فهو القدح الذي يشرب به الخمر إذا كان فيه الخمر ولا يشرب واحد في زمان واحد إلا من كأس واحد، وأما أواني الخمر المملوءة منها في زمان واحد فتوجد كثيراً، فإن قيل: الطواف بالكأس على عادة أهل الدنيا وأما الطواف بالأكواب والأباريق فغير معتاد فما الفائدة فيه؟ نقول: عدم الطواف بها في الدنيا لدفع المشقة عن الطائف لثقلها وإلا فهي محتاج إليها بدليل أنه عند الفراغ يرجع إلى الموضع الذي هو فيه، وأما في الآخرة فالآنية تدور بنفسها والوليد معها إكراماً لا للحمل، وفيه وجه آخر من حيث اللغة وهو أن الكأس إناء فيه شراب فيدخل في مفهومه المشروب، والإبريق آنية لا يشترط في إطلاق اسم الإبريق عليها أن يكون فيها شراب، وإذا ثبت هذا فنقول الإناء المملوء الاعتبار لما فيه لا للإناء، وإذا كان كذلك فاعتبار الكأس بما فيه لكن فيه مشروب من جنس واحد وهو المعتبر، والجنس لا يجمع إلا عند تنوعه فلا يقال للأرغفة من جنس واحد: أخباز، وإنما يقال: أخباز عندما يكون بعضها أسود وبعضها أبيض وكذلك اللحوم يقال عند تنوع الحيوانات التي منها اللحوم ولا يقال للقطعتين من اللحم لحمان، وأما الأشياء المصنفة فتجمع، فالأقداح وإن كانت كبيرة لكنها لما ملئت خمراً من جنس واحد لم يجز أن يقال لها: خمور فلم يقل: كئوس وإلا لكان ذلك ترجيحاً للظروف، لأن الكأس من حيث إنها شراب من جنس واحد لا بجمع واحد فيترك الجمع ترجيحاً لجانب المظروف بخلاف الإبريق فإن المعتبر فيه الإناء فحسب، وعلى هذا يتبين بلاغة القرآن حيث لم يرد فيه لفظ الكئوس إذ كان ما فيها نوع واحد من الخمر، وهذا بحث عزيز في اللغة.
المسألة الثانية: في تأخير الكأس ترتيب حسن، فكذلك في تقديم الأكواب إذا كان الكوب منه يصب الشراب في الإبريق ومن الإبريق الكأس.
المسألة الثالثة: {مّن مَّعِينٍ} بيان ما في الكأس أو بيان ما في الأكواب والأباريق، نقول: يحتمل أن يكون الكل من معين والأول أظهر بالوضع، والثاني ليس كذلك، فلما قال: {وَكَأْسٍ} فكأنه قال: ومشروب، وكأن السامع محتاجاً إلى معرفة المشروب، وأما الإبريق فدلالته على المشروب ليس بالوضع، وأما المعنى فلأن كون الكل ملآناً هو الحق، ولأن الطواف بالفارغ لا يليق فكان الظاهر بيان ما في الكل، ومما يؤيد الأول هو أنه تعالى عند ذكر الأواني ذكر جنسها لا نوع ما فيها فقال تعالى: {وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِئَانِيَةٍ مّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ} [الإنسان: 15] الآية، وعند ذكر الكأس بين ما فيها فقال: {وَكَأْسٍ مّن مَّعِينٍ} فيحتمل أن الطواف بالأباريق، وإن كانت فارغة للزينة والتجمل وفي الآخرة تكون للإكرام والتنعم لا غير.
المسألة الرابعة: ما معنى المعين؟ قلنا: ذكرنا في سورة الصافات أنه فعيل أو مفعول ومضى فيه خلاف، فإن قلنا: فعيل فهو من معن الماء إذا جرى وإن قلنا: مفعول فهو من عانه إذا شخصه بعينه وميزه، والأول أصح وأظهر لأن المعيون يوهم بأنه معيوب لأن قول القائل: عانني فلان معناه ضرني إذا أصابتني عينه، ولأن الوصف بالمفعول لا فائدة فيه، وأما الجريان في المشروب فهو إن كان في الماء فهو صفة مدح وإن كان في غيره فهو أمر عجيب لا يوجد في الدنيا، فيكون كقوله تعالى: {وأنهار مّنْ خَمْرٍ} [محمد: 15].

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8